[بودكاست ]


 
 
الإخوان والبيزنس
بودكاست - Tuesday 17-09-2013 08:42

                

د.محمد عفيفي

يقول حسن البنا في كتابه الشهير "رسائل الإمام": "أيها الإخوان إننا في أخصب بقاع الأرض وأعذبها ماءً وأعدلها هواءً وأيسرها رزقًا وأكثرها خيرًا وأوسطها دارًا وأقدمها مدنية وحضارة وعلمًا ومعرفة وأحفلها بآثار العمران الروحي والمادي والعملي والفني، وفي بلدنا المواد الأولية والخامات الصناعية والخيرات الصناعية وكل ما تحتاج إليه قومية تريد أن تستغني بنفسها وأن تسوق الخير إلى غيرها". تذكرت هذه العبارة الشهيرة لحسن البنا في أربعينات القرن العشرين وأنا في جولة تسويقية في إحدى المولات التجارية الكبرى، إذ توقفت أمام إحدى المحلات التي هي توكيل شهير لكبرى ماركات البدل التركية. وفي داخل المحل فُجعت بأن أقل سعر للبدلة هو ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه! وأن هناك جاكيت يصل سعره إلى أربعة آلاف وخمسمائة جنيه! وهنا سأل صديقي البائع وهو شاب ذو لحية خفيفة: هذا المحل تبع خيرت الشاطر؟ فارتبك البائع قليلاً ورد عليه قائلاً: لا.لا، هذا مِلك حسن مالك. فرددت أنا عليه: "لم نبعد كثيرًا". وهنا تداعي لذاكرتي منظر أحد طلابي النجباء في الجامعة، وهو من شباب الإخوان النشطين، وتذكرت الحالة السيئة لملابسه والتي لا أدري هل جاءت على سبيل التواضع أم نتيجة الحاجة والعوَّز؟! وفي نفس الوقت تذكرت مقولة أحد الكتاب الشبان من الإخوان المسلمين وهو يتمنى أن يحظى بوظيفة ثابتة أو معونة مادية تجعله يتفرغ للكتابة. وربما كان ثمن بدلة أو جاكيت من هذا التوكيل يكفي لتحقيق حلم هذا الكاتب الواعد الذي داعبه صديق أخر بقوله: "إنك لم تأخذ حقك في عهد الإخوان، فهل تتصور أن تأخذه الآن؟!". وذهبت إلى الربط بين حالة كبار رجال الأعمال في الحزب الوطني وحالة نظرائهم في الإخوان، وكانت أوجه التشابه كثيرة ومتعددة، ولكنها في الحالة الإخوانية أسوأ بكثير. إذ لم يعد من المناسب أن نطلق على هؤلاء الأخيرين لفظ "رجل أعمال" فما هم في الحقيقة إلا مجرد "تجار" و"وكلاء" للرأسمالية الخارجية. لم نشهد منهم رجل أعمال حقيقي يقيم صناعة كبرى يحتاج إليها الوطن، بل أصبحوا تابعين للخارج. وبينما كان من أوائل مشاريع حسن البنا في منشأه في المحمودية بالبحيرة إقامة مصنع للنسيج والسجاد بجوار معهد تحفيظ القرآن، أهمل أحفاد البنا الآن الصناعة الوطنية واستسهلوا الربح السريع وأصبحوا وكلاء للخارج. وربما لهذا السبب كانت مدينة المحلة الكبرى من أهم المدن الثائرة على حكم الإخوان في فترة مرسي، فهي قلعة الغزل والنسيج عبر تاريخ مصر. كما لفظت مدينة دمياط الإخوان وحكمهم فهي المدينة المشهورة عالميًا بصناعة الأثاث فكيف يأتي رجال أعمال الإخوان الآن ليصبحوا وكلاء لشركات خارجية للأثاث؟! كما وقع رجال أعمال الإخوان في نفس الخطأ الذي وقع فيه رجال أعمال الحزب الوطني وهو الزواج الملعون بين السلطة والثروة. من هنا شهدنا سيطرة كبار رجال أعمال الإخوان مثل خيرت الشاطر وحسن مالك على صناعة القرار داخل مكتب الإرشاد وفي مصر كلها، حتى أن محمد مرسي نفسه كان يشتكي للقريبين منه من تدخل خيرت الشاطر وتأثيره على صناعة القرار. وسرت إشاعات كثيرة حول مؤامرات عدة دبرها بعض رجال الأعمال الإخوان للسيطرة على العديد من المؤسسات الاقتصادية والفنادق الكبرى، هذا فضلاً عن بدايات التصالح والتحالف بين بعض الفاسدين من رجال أعمال الحزب الوطني وبعض رجال الأعمال من الإخوان. كان حسن البنا يصف أتباعه قائلاً "هم رهبانٌ بالليل وفرسانٌ بالنهار"، ولم يصفهم قط بأنهم "تجار" و"ووكلاء" أعمال للخارج. كان حسن البنا في الأربعينات وفي خضم صعود المد الوطني يطالب بتشجيع الصناعة الوطنية، بينما بعض أحفاده الآن تحالفوا مع الخارج لضرب هذه الصناعة! وبينما يبحث شباب الإخوان عن قوت يومه بصعوبة ويذهب إلى الجامعة بملابس متواضعة، يتاجر البعض في الماركات العالمية ببدلة يقدر ثمنها بعدة آلاف! هل هؤلاء بالفعل هم "رهبانٌ بالليل وفرسانٌ بالنهار" أم أنهم باعوا الجماعة وباعوا الوطن؟!

عرض التعليقات
أرسل تعليقك
الأسم
التعليق

تصفح في موقعنا

النشرة البريدية

كافة الحقوق محفوظة لوكالة بودكاست الاخبارية