بدأت قوات عراقية مسنودة بغطاء جوي فرنسي أميركي إيراني، صباح أمس، هجوماً واسعاً لطرد تنظيم داعش المتطرف من مدينة تكريت في محافظة صلاح الدين، وسط مخاوف شعبية في محافظة صلاح الدين من لجوء القوات المهاجمة إلى سياسة الأرض المحروقة.
وعبر زعماء قبليون عن خشيتهم من وقوع ضحايا وعمليات انتقام من آلاف الأسر التي لم تغادر مدينة تكريت، بسبب تهديد مليشيات شيعية بقتل أبناء عشيرة البوعجيل التي ينتمي إليها الرئيس السابق صدام حسين وعشيرة البوناصر"، متهمين إياها "بالتورط بمجزرة قاعدة سبايكر في المدينة العام الماضي، والتي قتل فيها أكثر من 1700 جندي عراقي، وهو ما تنفيه العشائر تلك، وتؤكد أن عناصر داعش هي من ارتكب المجزرة وليس العشائر".
وقال عضو مجلس عشائر تكريت الشيخ فواز الحمد، في اتصال هاتفي إن "الحكومة العراقية ملزمة أخلاقياً بضمان سلامة المدنيين وإيجاد مكان لهم للنزوح منه، قبل أن يفكروا بشن أي هجوم على المدينة". لافتاً إلى أن الضحايا المدنيين سيكونون الحلقة الأكثر تضرراً من أي هجوم ويجب إخلاء المدينة قبل هذا الهجوم".
واتهمت منظمة هيومان رايتس ووتش الدولية لحقوق الإنسان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بالاستمرار في استخدام المليشيات الشيعية المسلحة التي تقوم بأعمال قتل وإبادة للمدنيين السنة في إفلات من العقاب فيما تعتدي القوات الحكومية على المدنيين".
وقال مصدر عسكري، إنّ "الهجوم الذي أطلقت عليه مليشيا الحشد الشعبي اسم، (لبيك يا رسول الله)، يشارك فيه من 20 إلى 25 ألف مقاتل من الجيش والشرطة ومليشيا الحشد وأبناء العشائر المناهضة لتنظيم (داعش)، تسندهم قوّات الحرس الثوري الإيراني على الأرض، فيما يشترك فيه ثلاثة خطوط جوّية، هي سلاح الجو الأميركي والفرنسي الذي يشارك لأوّل مرة، وسلاح الجو العراقي".
وأضاف أنّه "يقابل ذلك 1000 إلى 1300 مقاتل من تنظيم داعش"، مبيناً أنّ "خطوط الصد لداعش هي ثلاثة، الأول حقول الألغام، والثاني الانتحاريون، والخط الثالث هو خط النخبة، وهم المقاتلون الذين أتى بهم من مدينة الموصل".
وأوضح المصدر، الذي لم يكشف عن اسمه، أنّ "الطائرات الأميركيّة والفرنسيّة شنت عمليّة تطهير للخط الدفاعي الأول لداعش، وهو حقول الألغام، وتؤمن الطريق للقوات المهاجمة، فيما يعمل الطيران العراقي على تأمين القوّات المهاجمة"، مؤكّداً أن "القوات المهاجمة تستخدم كثافة نارية هائلة لتأمين مسيرها، عبر الصواريخ القصيرة المدى والصواريخ المحمولة على الكتف والدبابات والمدفعية وراجمات الصواريخ".
ولفت إلى أنّ "الهجوم بدأ من عدّة محاور باتجاه تكريت والدور، للاندفاع بعد ذلك باتجاه ناحية العلم من الجهة الشرقية لمدينة تكريت، فيما يتم الهجوم من المحور الثاني من جهة الغرب باتجاه المدينة، ومحور آخر من جنوب المدينة باتجاه العوجة".
وأكّد أنّ "اشتباكات عنيفة دارت في مناطق بنات الحسن ومنطقة الجلاّم شمال شرق قضاء سامراء، وأنّ الطيران يساند القوات المهاجمة في الاشتباك".
من جهته، حذّر مجلس عشائر محافظة صلاح الدين، من "لجوء القوات الحكوميّة إلى استخدام سياسة الأرض المحروقة".
وقال عضو المجلس، الشيخ عبد الخالق الجبوري، إنّ "الإعلام الحكومي يتحدث عن أن محافظة صلاح الدين خالية من الأهالي، الأمر الذي ينذر بتداعيات خطيرة في حال استخدمت الحكومة سياسة الأرض المحروقة".
وأكّد الشيخ أنّ "أكثر من 40 في المائة من أهالي المحافظة من المدنيين موجودون فيها"، مشيراً إلى أنّه "في حال استخدمت حرق الأرض، فستكون مجزرة بحق أبناء المحافظة لا تقل عن مجازر داعش".
وتعول الحكومة العراقية على استعادة تكريت كثيراً لتحقيق مكاسب عسكرية وسياسية، في الوقت الذي تشير مصادر محلية في المدينة إلى أن داعش جهّز العشرات من الانتحاريين والمئات من الألغام الأرضية التي أحاطت بها المدينة المدورة من جهاتها كافة.
وقال رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي إن "الآلاف من عناصر الجيش والشرطة وقوات الحشد الشعبي يحتشدون على بعد ثلاثة كيلومترات من مدينة تكريت استعداداً لمهاجمتها".
وأوضح الزاملي "أن "خطة محكمة انتهت منها القيادات العسكرية للهجوم على تكريت من عدة محاور، تفقد داعش القدرة على الصمود طويلاً داخل المدينة والمسألة مجرد وقت لا أكثر"، مبينا أن "الاستعدادات تبدو كافية، وهناك عملية تحديث ومراجعة للخطة بين وقت وآخر، وصولاً إلى ساعة الصفر التي باتت قريبة".
وأكد اللواء جابر الوائلي من قيادة عمليات محافظة صلاح الدين العسكرية وجود نحو 20 ألف مقاتل يستعدون للهجوم على المدينة، بدعم من قوات التحالف الدولي، بواقع عشرة ألوية من الجيش، ومثلها من الشرطة، و12 فصيلاً من الحشد الشعبي، يتراوح عدد أفراد كل فصيل منهم بنحو 300 مقاتل.
وأوضح الوائلي: "سنعتمد على الكثافة النارية من الأرض والجو، ولن نمنح لداعش فرصة بالتقاط أنفاسه أو إخراج رأسه"، وفقاً لقوله، مبيناً أن "الهجوم المرتقب هو المحاولة السادسة للقوات العراقية لاقتحام تكريت منذ سقوطها في الثاني عشر من حزيران (يونيو) الماضي".
بالمقابل قالت مصادر محلية في مدينة تكريت "إن تنظيم داعش استقدم المئات من قواته الخاصة المعروفة باسم "لواء الانغماسيين"، كما حشد العشرات من الانتحاريين وأقام خطوط دفاع مختلفة.
وقال زعيم قبلي في تكريت، إن "تنظيم داعش سيحول المعركة إلى استنزاف للقوات المهاجمة، من خلال حقول الألغام والانتحاريين والفخاخ التي نصبها حول المدينة، كما سيكون تدخل قواته الفعلية كحاجز صدّ نهائي في حال نجحت القوات بكسر خطوطه الوقائية"، وفقاً لقوله.
مقابل ذلك، قال تنظيم "داعش" في بيانات له ضمن محاولات استعراض قوته إن أي هجوم على تكريت سيكون "انتحاراً للقوات المهاجمة"، وأضاف التنظيم في بيانه الذي وزّع في أنحاء مختلفة من المدينة، "لن يجدوا منا إلا الذبح، ومن يحاول أن يطأ أرض الخلافة بإرادته عليه أن يفكر أنه لن يخرج إلا بإرادتنا ميتاً أو ميتاً"، في إشارة إلى قرار التنظيم إعدام من يتمكّن من اعتقاله من أفراد القوات المهاجمة.